16 سبتمبر 2024 | 13 ربيع الأول 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

د. فارس المصطفى: فعل الخير ومساعدة الناس ليسا من نوافل الأعمال بل أمرٌ وتكليف من الله

13 مارس 2019

منذ فجر التاريخ ظل الإنسان ضعيفا بوصفه فردا، قويا باجتماعه مع الآخرين، وشعور الإنسان بذلك الضعف كان يدفعه حتما إلى التعاون مع غيره في أي مجال، فلا يمكن لأي إنسان مهما آتاه الله من أسباب أن يعيش على الأرض منعزلا عن البشر، فهذا يخالف طبيعته وفطرته الأولى، من أجل ذلك أمر الله تبارك وتعالى عباده بالتعاون، شريطة أن يكون تعاونهم على البر والتقوى، لا على الإثم والعدوان.
  حول قضية العمل الصالح والتعاون من أجل الخير؛ يوضح الدكتور فارس المصطفى، الداعية والمحاضر، أن هناك فهماً مغلوطاً لدى بعض الناس عن العمل الصالح، حيث يقتصر في تصورهم على الشعائر والعبادات فقط، ولا يشمل التعاون في ميادين الخير، هذا أمر خاطئ ولا شك، فالمسلمين الأوائل قد تعلموا من دينهم أن أعمال البر والخير ليست من نوافل الأعمال، بل هي من صميم واجبات الإسلام، وأن أبواب الجنة تفتح على مصراعيها لفاعل الخير ولو كان يسيرا، وفي القرآن العظيم نجد أن المولى سبحانه وتعالى قد قرن أعمال البر بالإيمان، بل وجعلها عنوان الإيمان الصحيح.
  ومن الأمثلة الناصعة على حب الخير في عصرنا الحديث؛ الطبيب والداعية الكويتي عبد الرحمن السميط، رحمه الله، الذي سيبقى علماً بارزاً ومثالاً يحتذى به في مجال العمل الخيري والدعوى، فقد أسلم على يديه أكثر من أحد عشر مليون شخص في أفريقيا وحدها، وبنى آلاف المساجد والمدارس وحفر آلاف الآبار، وترك إرثا من الخير لايزال شاهدا على مسيرة حياته الدؤوبة التي كرس فيها جل وقته وجهده من أجل مساعدة الناس.

وهنا يُطرح السؤال؛ لماذا ينبغي علينا المسارعة في الخيرات؟
يقول الدكتور فارس: أولا: لأن فعل الخير ومساعدة الناس أمر إلهي مثله مثل الصلاة والصوم وسائر الفرائض، وصيغة الأمر واضحة في الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩} [الحج:٧٧}، هذا أمر وتكليف للجميع، لا ينسحب على أفعال بعينها، ولا على خصائص أو ظروف فردية.
ثانياً: لأن فعل الخير دليل على محبة الله عز وجل للعبد، رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس" [رواه الطبراني].
ثالثا: لأن الامتناع عن فعل الخير للغير هو مذمة ومنْقَصة، وعلامة على الأخلاق المرذولة، وحسبنا في ذلك قول ربنا جل وعلا في كتابه العزيز: {مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} [القلم:١٢]، وقد ذم الله عز وجل أولئك الذين يمنعون الخير عن الناس  {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون:٦-٧].
رابعاً: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حريصا على تعليم الناس فعل الخير من خلال ربط الأفعال الطيبة بأجر الصدقة؛ "تبسمك في وجه أخيك صدقة"، "أن تعدل بين اثنين صدقةٌ، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقةٌ، والكلمة الطيبة صدقةٌ، وبكل خطوةٍ تمشيها إلى الصلاة صدقةٌ، وتميط الأذى عن الطريق صدقةٌ" [رواه البخاري ومسلم].
فإذا كانت النفس البشرية بطبيعتها تميل للاستئثار بالمال والمميزات ومتاع الدنيا، إلا أن المؤمن الحق الذي استقبل أنوار الله، وتفيأ ظلال مشكاة الوحي، تتغير طباعه البدائية، ويتخلى طواعية عن هذه الأثَرة، ويستبدلها بفضائل العطاء والسخاء والإنفاق في سبيل الله سرا وعلانية، فحين يسمو الإنسان على أطماعه الفردية، وينتصر في قلبه الشرع على الطبع، يكون الجزاء هو الجنة.
    من أجل هذا كله يجب على من ابتغى سعادة الدارين أن يحرص على مساعدة الغير، ومد يد العون لكل إنسان دون النظر إلى حاله أو لونه أو جنسه، لأن خدمة الإنسان هي مقصد الله الأكبر في الشرائع السماوية كلها.

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت